

الباحث: عطية مرجان ابو زر
قال
تعلى( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُون(َ ﴿9﴾
السجدةالحمد لله الذي لم يخلق العباد عبثاً، ولم يتركهم سدى، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين،وبعد:
قال الله تعالى:﴿....إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:36).
إحصائيات :
ذكرت كلمة (السمع ومشتقاتها و تصريفها في القرآن الكريم 185 مرة بينما وردت فيه كلمة (البصر) ومشتقاتها وتصريفها 148 مرة وحيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم عنت دائماً سماع الكلام والأصوات وإدراك ما تنقله من معلومات، بينما لم تعن كلمة البصر رؤية الضوء والأجسام والصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط، إذ إنها دلت في باقي المرات على التبصر العقلي والفكري والقلبي بظواهر الكون والحياة أو بما يتلقاه المرء ويسمعه من آيات وأقوال. وقد ترافقت كلمتا (السمع) و (البصر) في 38 آية كريمة.
وقد وردت كلمة (الصم) مترافقة مع كلمة (العمى) في ثمان آيات سبقت في معظمها كلمة (الصم) كلمة (العمى) كما في قوله تعالى:(أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) محمد: 23 وقوله : (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة: 171
نظرة تحت مجهر القران:
يجد المتدبر لنصوص القران الكريم فيما جاء في قضية السمع والأبصار أنها فرقت بينهما من ناحية ، و فرقت بين العين والأذن من ناحية أخرى ، فهل تدبرت هذه الحكمة ؟ تعال بنا نحاول فهمها: ونحن ندقق النظر في النصوص لنجد:
1. جاء السمع والبصر في معانيه اللغوية والعلمية ليدور حول الفكر والتدبر (أي الفعل والأداء)، بينما جاءت العين والأذن مراداً بها الأعضاء الناقلة للمؤثرات الحسية (أي الوصف ).
2. إذا ما جاء ذكر السمع مع البصر مقترنان في نص آية واحدة فإن السمع يتقدم ذكره على البصر في النصوص القرانية.
3. وعندما تأتي العين مع الأذن في آية واحدة فإن العين تتقدم الأذن في معظم القران الكريم .
ملاحظات مهمة يجب تدبرها والانتباه لها... ونرى فيها ما يلي:
أولاً ـ المعاني التي جاء فيها السمع والبصر والعين والأذن : نرى بالتدقيق أن هناك فصلاً بين أعضاء الحس ( العين والأذن ) وقوة الإدراك. فالآيات التي ذكرت فيها الأعضاء ذكرت معها تعبيرات تناسبها ومن جنسها دون ذكر وظائفها ( السمعية و البصرية ) .و من أمثلة ذلك في ( العين ) قال تعالى :- (وَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْن )يوسف:84 ] هنا نلاحظ أن العينان ذكرت دون السمع فكان لها وصف الابيضاض وهي حالة مرضية تصيبها , وكذلك عند ذكر(الأذن ) منفردة دون العين فنجد كما في الآية التالية ( كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً )[ لقمان :7] أنه وصف حالتها المرضية بالوقر أيضا.
بينما نجد أن الآيات التي ذكر فيها المصدر أو القوة المدركة ( السمع والبصر ) معا فقد جاء فبها معنى الإدراك والتفهم والتدبر أي : أي ذكر فيها معنى العقل والفهم و مثال ذلك قوله تعالى :- ( إِنّ َالسَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُـؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَان َعَنْهُ مَسْئولاً ) [ الإسراء: 36]
وهناك آيات جمعت بين الأعضاء والوظيفة : مثال ذلك قوله تعالى :- (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَ لَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا )[ الأعراف :179]
وجه الاعجاز اللغوي والعلمي:
يثبت القران حقيقة علمية هي: إن العين والأذن ليستا سوى أعضاء من أعضاء الجسد، أما السمع والبصر فهما وسيلتا فعل واستقطاب يشيران إلى قيمة عقلية ، أو قوى

إن تقديم السمع على البصر في غالب النصوص القرآنية يعني تقديمه لخصائص العضو على الآخر أي لقدره وقيمته التي يفيد منها الإنسان ,أما تقديم العين على الأذن كعضو في غالب آيات الذكر الحكيم فيعني تقديم العضو على العضو بميزة التكوين الخلقي أو البنائي له كمثال على ذلك:-
تقيم السمع على البصر : (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الأَبْصَارَ )..[ المؤمنون:78] فتقدم السمع على الإبصار لميزة السبق الخلقي والإنشاء للسمع قبل الإبصار.
تقديم العين وتأخير الأذن :( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنَ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ ) [ المائدة :45] فذلك في القصاص بيانا للترتيب في القيمة والثمن.بمعنى أن العين أهم قيمة من الأذن فسبقتها في الترتيب.
رأي العلوم البشرية في السمع والأبصار:
تقول المصادر العلمية : إن العين والأذن ما هي إلا مستقبلات تستقبل موجات الضوء والصوت لترسلها عبر الأعصاب إلى مراكز السمع والبصر داخل المخ البشري ، وفي هذه المراكز يتم إدراكها وفهمها. ولقد وجد العلماء أن مركز السمع يقع في الفص الصدغي للمخ ، بينما يقع مركز الأبصار في الفص المؤخر في آخر المخ ، أي أن مراكز السمع تتقدم على مراكز الإبصار بعكس الأعضاء حيث تتقدم العين على الأذن في صنعة الله الظاهر .
وجهــه الأعجــاز القراني:
بناء على ما تقدم من معلومات نرى إن الإعجاز قد تحقق بكل المقاييس .
1. فالآيات القرانية سبق وأن فصلت بين الأعضاء ( العين والأذن ) ، وبين القوى المدركة ( السمع والبصر ).
2. من ناحية الترتيب نجد أن الحق سبحانه رتب في الآيات : العين قبل الأذن ، والسمع قبل البصر، في غالب القرآن ، وهاهو العلم اليقيني قد أثبت أنه بينما تتقدم العين الأذن في رأس الإنسان نجد عكس الترتيب بالنسبة للمراكز ، فمركز السمع يتقدم مركز الإبصار في قشرة المخ البشري .
كذلك وعلى ضوء المعلومات الأولية التي أدلى بها العلم البشري حول السمع والعين نجده قد نظر إليهما نظرة عددية أو حجميه فقال: ً أن العصب السمعي يجمع ثلاثين ألف ليف ,وأن ثلثي عدد الأعصاب الحسية في الجسم هي أعصاب بصرية، أما نوعيا فلا يرد إلى الجسم من مجموعة المعلومات الحسية عن طريق الجهاز السمعي أكثر من 12% بينما يرد إلى الجسم عن طريق الجهاز البصري حوالي 70% من مجموع المعلومات الحسية. وعليه فإن العلم البشري يقدم البصر على السمع على عكس القرآن الكريم , وفي ذلك صنفنا هذا البحث في سلسلة أباطيل علمية تحت مجهر القرآن الكريم,
فهل ظل العلم التشريحي والفسيولوجي قاصرا على ذلك رغم بيان القرآن الكريم للحق بشأنهما؟
لو تبصرنا في الحقائق العلمية التي عرفت حديثاً في علوم الأجنة والتشريح والفيزياء والطب لوجدنا أن الصحيفة السمعية للجنين في آخر الأسبوع الثالث تكون أول مكوناتها هي آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين.أي أن خلق السمع يكون قبل خلق البصر, وهذا ما سبق القرآن عن الإخبار عنه إذ قال" وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار ".....لقد ثبت علمياً أن الأذن الداخلية للجنين تتحسن للأصوات في الشهر الخامس، ويسمع الجنين أصوات حركات أمعاء وقلب أمه، وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية، والعصب السمعي والمنطقة السمعية في المخ، يمكن تسجيلها بآلات التسجيل ألمختبريه، فالإنسان يسمع الأصوات قبل ولادته بأكثر من 16 أسبوعا, ًوهذا برهان علمي يثبت سماع الجنين للأصوات في هذه المرحلة المبكرة من عمره. من الناحية الأخرى لا يتمكن الجنين من أن يبصر خلال حياته الجنينية، لا لظلام يحيطه فقط بل لانسداد أجفانه، وعدم نضوج شبكية عينية، وعدم اكتمال العصب البصري حتى وقت متأخر من حياته الجنينية. كما يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته بعد أن تمتص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطى والمحيطة بعظيماتها ثم يصبح السمع حاداً بعد أيام قلائل من ولادة الطفل.
ومن الملاحظ أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الأصوات وهو في رحم أمه، فجميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الأصوات إلا بعد ولادتها بفترة،يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية، ويتعلمها ويحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية، فهو مثلاً يفهم الكلام الذي يسمعه ويدركه ويعيه أكثر من فهمه للرسوم والصور والكتابات التي يراها، ويحفظ الأغاني والأناشيد بسرعة ويتمكن من تعلم النطق في وقت مبكر جداً بالنسبة لتعلمه القراءة والكتابة، وكل ذلك لأن مناطق دماغه السمعية نضجت قبل مناطقه البصرية قال تعالى: (لنجعلها لكلم تذكرة وتعيها أذن واعية) الحاقة: 12
وقد أكدت الأبحاث العلمية على ما يلي:
أ) جهاز السمع يتطور جنينياً قبل جهاز البصر ويتكامل وينضج حتى يصل حجمه في الشهر الخامس من حياة الجنين الحجم الطبيعي له عند البالغين بينما لا يتكامل نضوج العينين إلا عند السنة العاشرة من العمر.
ب) يبدأ الجنين بسماع الأصوات في رحم أمه وهو في الشهر الخامس من حياته الجنينية ولكنه لا يبصر النور والصور إلا بعد ولادته.
ج) تتطور وتنضج كل المناطق والطرق السمعية العصبية قبل تطورها ونضوج مثيلاتها البصرية بفترة طويلة نسبياً.
يلاحظ المتدبر لآيات القرآن الكريم أن القرآن قد قدم ذكر السمع على ذكر البصر فهل هذا التقديم مجرد صدفة ؟
يبادر المؤمن المتيقن بالقرآن قائلا معاذ الله ويشهد الله تعالى على ذلك بقوله" وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ " ويؤكد رب العزة قائلا" َلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ " ويشهد القرآن على ذاته بالقول"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف : 54] "
وفي موضوعة تقديم الس
ومن هذا التقديم للسمع على البصر كانت هذه المختارات من الآيات:
خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ..ٌ [البقرة : 7]
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة : 20]
قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا .. [النساء : 46]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ...َ [الأنعام : 46]
وقد جرت آيات القرآن الكريم على ذلك مجرى تقديم السمع على البصر في جميع الآيات القرآنية التي تحدثت عن السمع والبصر يقدم الله سبحانه وتعالى السمع على البصر... اللهم إلا أية واحدة... قدم فيها البصر على السمع حيث يصور بعض مشاهد يوم القيامة ( ربنا أبصرنا وسمعنا)سورة السجدة - الآية (12) وهي تخص الرب عز وجل بينما كل ما جاء بخصوص الإنسان لم يخرج عن قاعدة تقديم السمع على الأبصار.فما الحكمة الربانية في ذلك كما يراها الإنسان والعلم البشري ؟
من المعلوم للإنسان أنه حين يفقد بصره يفقد الأعز والأكرم من أعضاء جسده البشرية,انه يعيش في ظلام دائم،فلا يميز الأشكال ولا الأحجام ولا الألوان ولذا تكون علومه ومعارفه ناقصة لا يستطيع معها وصف الأشياء من حوله ولا اتقاء شرها،فيعيش مع المحسوس والمسموع وكلاهما حاستان غير كافيتان للمعرفة, ولكنه إذا ما فقد سمعه كان أكثر استعدادا للحياة والمعرفة , فهل يكون البصر أهم من السمع وهو الأوجب ذكرا على السمع وتقديم كقولنا البصر والسمع؟
لقد فضل الله -سبحانه وتعالى تقديم السمع على البصر في القرآن الذي هو كلامه -ذلك لأنه تعالى الخالق لكليهما والأعلم بتقديم أيهما على الآخر,وهو الأعلم بهما ... فتعال بنا نرى ما يهدينا ربنا إليه من حكمته تعالى في ذلك :
خلق الله تعالى السمع قبل خلقه للبصر بدليل قوله سبحانه" ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ "
إن السمع أول عضو يؤدي وظيفته في الدنيا، فالطفل ساعة الولادة يسمع بينما العين تبقى مغفلة لحين تكابد انفتاحها على ضوء النهار بعد خروجها من ظلمات الرحم .وذلك أول الإعجاز القرآني العلمي حول تقديم السمع على البصر في بيان أول الفاعلين مع الحياة.
أن العين تغفل عن الدنيا وتنام ولكن الأذن لا تغفل ولا تنام,فمعرفة البصر فاعلة لزمن محدود في النهار وتغفل وتضعف في الظلام بينما فعل السمع مستمر لا يغفل ولا ينام.ويكون ذلك هو الإعجاز الثاني للقرآن الكريم لبيان العضو الأكثر عملا وسهرا وأكثر فائدة للإنسان.
يولد التسارع أو التعجيل الشديد عند الإنسان يؤثر على البصر ويسبب ضباب الرؤية قبل فقدانها تماماً والإصابة بالعتمة التامة، ولا يفقد الإنسان في هذه الأحوال حس السمع
أن السمع أكثر صلة بالدنيا من البصر فإن ضرب على سمع الإنسان كان كالميت بدليل قول الله تعالى:: "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا"[الكهف: 11].ولذا جعل الله تعالى الليل سكنا حيث تمتنع الضوضاء فيخلد الإنسان إلى نوم مريح.
السمع حاسة لا يمكن للإنسان أن يمنع فعلها كأن يغلقها ومهما فعل فإنه يبقى قادر على التقاط الصوت بينما العين يمكن إغلاقها ومنع فعلها بحركة جفن تطبق عليها.
يتمكن الإنسان من سماع الأصوات التي تصل إلى أذنيه من كل الاتجاهات والارتفاعات فيمكننا القول: إن الساحة السمعية هي 360، بينما لو ثبت الإنسان رأسه في موضع واحد فلن يتمكن من رؤية الأجسام إلا في ساحة بصرية محدودة تقارب الـ . فالسمع أكثر فاعلية من العين.
العين لها الخيار أن تنظر حيث تريد وترى ما تريد بينما الإذن تسمع ما تريد وما لا تريد.
من المعروف فيزيولوجيا إن المرء يفقد حس البصر قبل فقدانه حس السمع عند بدء النوم أو التخدير (التبنج) أو عند الاحتضار قبيل الموت أو
من المعلوم أن المولود الذي يولد فاقداً لحس السمع يصبح أبكماً بالإضافة إلى صممه ولن يتمكن من تعلم النطق والكلام أما الذي يولد فاقدا لحس البصر فإنه يتمكن من تعلم النطق وبسهولة.
العين لا ترى المحجوب عنها ولكن الأذن تسمع المحجوب عنها فهي الأكثر فاعلية والأهم .
الآيات القرآنية الكريمة كانت تسمع وتحفظ في الصدور وتتناقل عن طريق الرواة وبالرغم من أن كتاب الوحي كانوا يدونونها إلا أن القرآن الكريم لم يعمم على الأمصار إلا في زمن الخليفة الثالث.
السمع لا يحتاج إلى واسطة للعمل بينما الأبصار تحتاج إلى توفر النور للعمل فقدرات السمع أقوى من قدرات الأبصار.
تؤكد الآية الكريمة ( لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) الحاقة: 12 على أن الإحساسات الصوتية التي يسمعها الإنسان بأذنيه تصل مستوى الوعي أحسن من تلك التي تصله عن غير طريقهما كالبصر مثلاً.
السامع يمكنه تعلم اللغة والكلام أما الأصم فلا يمكنه ذلك وعليه يكون السمع أقدر على التعلم والمعرفة وإن كان كفيف فالسمع مقدم على الأبصار.
يلاحظ المتدبر للقرآن الكريم أن ميزتين ظاهرتين يأتي عليهما القرآن حين يذكر السمع والأبصار أولهما: أن كلمة السمع تأتي مفردة دائمًا، وكلمة الأبصار تأتي مجموعة، كمثل قول الله -سبحانه وتعالى- : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ..َ[. (22- فصلت) في حين أننا يمكن أن نقول: أسماعكم وأبصاركم،فهناك سمع وبصر، وهناك أسماع وأبصار، هذا من قولنا نحن كقولنا ضوء وأضواء وضياء ولكن القرآن المعجز في لغته أيضا أكثر دقة من أهل اللغة ذاتهم فيقول "ضياء" ولم يأت على كلمة ضوء ولا لمرة واحدة والسبب هو الدقة العلمية في اللغة فقد أثبت العلم أن الضوء لا يكون أبدا مفردا لأنه لا يكون إلا حزم ضوئية والحزم هي جمع وجمع الضوء ضياء والقرآن أصوب لغة واصطلاحا لغويا وعلميا, وكذلك هو حال السمع والأبصار, وإن قال قائل للسمع عضوين وللبصر عضوين فلماذا أفرد السمع وأثنى البصر؟
هذا هو الاعجاز القرآني الأول في قضية السمع والأبصار, إنه الاصطلاح اللغوي العلمي الصحيح,فالسمع واحد منذ أن يخرج المولود للدنيا يبدأ سمعه بالعمل إلى أن يتعطل مرضا أو موتا فيبقى سمع واحد مفرد لا يغفل ولا ينام ولا يتوقف عن العمل, بينما الإبصار كثيرة تتجدد بعد كل غفلة تتجدد بعد كل رمشة جفن تستريح آلاف المرات في اليوم الواحد تنقطع عن الإبصار فكانت مليارات الأبصار بل لا تحصى إذا ما اعتبرنا كل رمشه جفن غفلة بعد تجديد إبصار.
إن الحديث النبوي قد تضافر مع آيات القرآن الكريم في تقديم السمع، وكيف لا وهما من مشكاة واحدة، يقول الرسول. عليه الصلاة والسلام: (إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)... الحديث.
ثم دعونا ننظر إلى الآيات الكريمة الأخرى التي ترافقت فيها كلمتا (السمع) و(البصر) في قوله تعالى: (لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً) مريم: 42
(ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) هود: 20
( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) الإسراء: 36
( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم) الأنعام: 46
(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) فصلت: 22
( لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) البقرة: 20
( وحتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعلمون) فصلت 20
لهذا قدم القرآن الكريم ذكر السمع على الإبصار تقديما قال فيه" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [الأنعام : 46]" أو ليس هذا بتصريف عليم حكيم؟ أشهد وربي العظيم.
صدق الله العظيم خير القائلين " كِتَاب ٌأُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [ هود:1] و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتاب الله ....لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء " و قال القانوني سانتيلانا في كتاب له : إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل إن فيه ما يكفي الإنسانية كلها, ونقول طوبي لمن تدبر هذا الكتاب المجيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا جزيلا لتعليقكم تنمني تكرار الزيارة للإفادة من توجيهاتكم